فلسطيننا الصغيرة: مقتطفات من مذكرة الحصار

عبدالله الخطيب

صهيب أيوب, غير معنون, ألوان مائية. ٢٠١٩

ولد عبدالله الخطيب وترعرع في مخيم اليرموك الذي يؤوي لاجئين فلسطينيين منذ نكبة عام ١٩٤٨. شارك صديقه المخرج حسن حسن بفاعلية في الانتفاضة السلمية التي اجتاحت سوريا عام ٢٠١١، وكمخرج طموح، واظب حسن على توثيق الانتفاضة في اليرموك وخارج المخيم أيضًا. عهد حسن بكاميرته إلى عبد الله الخطيب في يوم محاولته مغادرة المخيم، ولكنه للأسف وقع في قبضة أجهزة الأمن السورية التابعة لنظام الأسد، وفارق الحياة لاحقا على أيديهم. بقي عبدلله يصور إلى حين إخلاء سكان مخيم اليرموك. افتُتح فيلم فلسطين الصغيرة – يوميات حصار لأول مرة في نيسان ٢٠١١، في ما يأتي مقتطفات ومقاطع من الملاحظات التي دوّنها عبدالله خلال عمله على فبركة الفيلم.

-رشا سلطي.


«الحصار طويل، كليلٍ أسير لا ينتهي في زنزانة سكة حديد، تمتد نحو الصحراء في يوم صيفي. الحصار درب يؤدي إلى الجنون أو الانتحار، ولتنجو ما عليك إلا البحث عن فكرة تستحق أن تحيا لأجلها».

لعل هذه الجمل التي كتبتها ذات يوم في بداية الحصار، هي من أهم دوافعي في ذاك الوقت للتفكير والتصوير والعمل بشكل جدّي على توثيق أحداث مخيم اليرموك، وتوثيق آثار الحصار على سكّانه على المستويين النفسي والاجتماعي، وأثر هذا الحصار في تغيير طبائع البشر وتبديل مسارات حياتهم، ونقلهم من عوالم بسيطة اعتادوها إلى عوالم أشدّ تعقيداً وصعوبة.

لم أكن الشخص الوحيد الذي حمل كاميرته وجال في شوارع المخيم، يفتش عن أي مشهد قابل للتوثيق. ولكني كنت الوحيد الذي رفض فكرة نشر المواد المصورة على وسائل التواصل الاجتماعي، وفي نشرات الأخبار، من دون سياق يروي حكاية الناس الذين أصورهم، أي الضحايا الذين أنتمي إليهم.

هذا الفيلم هو سبيلي الوحيد لتبقى ذكرى مخيم اليرموك عالقة في ضمير العالم كوصمة عار في القرن الحادي والعشرين. جدتي قالت لي ذات يوم: «إذا ما بتظلّك تذكر الميت وتحكي عنو، بموت مرتين يا ستي» . وكي لا يموت أصدقائي الذين فقدتهم في الحرب والحصار مرتين، جاءت فكرة هذا الفيلم، ليكون هناك وثيقة تُذكّر الآخرين دائماً، كيف عاش أهالي مخيم اليرموك، وماذا فعلوا في الحصار، وكيف انتهت حياتهم في سبيل قضية آمنوا بها وماتوا من أجلها في أقبية سجون نظام الأسد.

الفيلم هو حق الضحية بأن لا تموت بصمت، وأن لا تكون مجرّد رقم يُذكر على أشرطة الأخبار. الشهداء الذين سقطوا في مخيم اليرموك، ليسوا مجرد أرقام عابرة لبشر زالوا من الجوع والقصف والقنص في المخيم. بل هم أشخاص لهم أسماء وقصص وحياة خاصة وآفاق من الطموحات والآمال. والفيلم هو حقّي الشخصي بأن أروي حكايتي الخاصة، ووسيلتي لأستعيد توازني النفسي الذي خسرته بسبب الحرب، ولكي أحمي ذاكرتي من النسيان وعقلي من الجنون. هو أيضاً رسالة مقتضبة من سكان مخيم اليرموك الذين قاوموا الحصار حتى نهايته ولم ينتهوا معه.

***

كان يحلو للبعض أن يسمّي مخيم اليرموك عاصمة الشتات الفلسطيني، لكن هذا المخيم الممتد جنوب العاصمة السورية دمشق، لم يكن يوماً لا حجارةً ولا خياماً، بل كان ولا يزال فكرة عصيّة على الشرح وعصيّة على الموت. كان مخيم اليرموك قبل الثورة مكاناً يعجّ بالإبداع والحب، خزّاناً للطاقات البشرية وأكبر تجمع لللاجئين الفلسطينيين خارج فلسطين.

مع بداية الثورة السورية في العام ٢٠١١ صار المخيم حاضناً لآلاف النازحين السوريين، وملاذاً آمناً للعديد من ناشطي الثورة السورية، قبل أن يقصفه النظام السوري في العام ٢٠١٢ بطائرات “الميغ” روسية الصنع ، ويحاصر من تبقى من أهله قبل تهجيرهم على يد “داعش” والنظام السوري. استمرّ الحصار خمسة أعوام ونصف العام، إلى أن احتلته قوات “داعش” (بدعم خفي من النظام السوري)، وتمّ تهجير معظم سكانه إلى الغوطة الشرقية في ضواحي دمشق، والتي كانت حينها تحت سيطرة قوات المعارضة.

مع دخول عناصر المعارضة المسلحة إلى مخيم اليرموك في نهاية عام ٢٠١٢، قصف النظام المخيم بطائرات “الميغ” وهجّر معظم الأهالي خارج المخيم. ومن بعدها فرض النظام حصاراً غذائياً على الأهالي الذين اختاروا البقاء في بيوتهم من أجل إخضاعهم. من الصعب تحديد متى وكيف بدأ الحصار بدقة. فقد تمثّل هذا الحصار بدايةً بإغلاق كافة الطرق ومنع السيارات من الدخول، ما أدى إلى توقف الأفران عن العمل وإغلاق الأسواق واختفاء المواد الغذائية والطبية. بالمقابل تعامل أهالي المخيم مع هذه الإجراءات وكأنها لا تعنيهم، أو أنها ليست موجهة ضدهم، فكانوا يخرجون كل صباح في رحلة طويلة خارج المخيم تستغرق ساعات، للحصول على خمسة أرغفة خبز مسموح بها فقط للعائلة الواحدة وكيلو أو اثنين من الخضار يسمح بإدخالها، شرط التعرّض لحفلة إذلال تطول وتقصُر بحسب مزاج العناصر الأمنية الملثّمة الموجودة على مدخل المخيم، على الحاجز الذي سُمّي تهكماً وترميزاً “بمعبر رفح ٢”.

استمر الأمر على هذا الحال لبضعة أشهر إلى أن أتى أول يوم من شهر رمضان في عام ٢٠١٣، ليفاجأ أهالي المخيم بعد خروج أرباب الأسر للتسوّق، برجال الحاجز يأمرونهم بالبقاء خارجاً لصدور القرار بإغلاق المخيم نهائياً، وبالتالي منع الغذاء والدواء عن الأهالي المتواجدين في داخله تماماً. ولم تفلح توسّلات الرجال، وكان والدي بينهم­، ولا النساء بإقناع أمن “معبر رفح ٢” بالسماح لهم بالدخول إلى المخيم المحاصر، حيث ترك العديد منهم أطفالهم وحيدين في رحلة سعيهم لإحضار الطعام. في اليوم التالي قُطعت الكهرباء والماء، وأُغلق المخيم على سكانه الباقين والذين يزيد عددهم عن الثلاثين ألفاً، معظمهم من المسنين والأطفال. وهكذا، وبقرار بسيط اتُّخذ من جهة ما داخل النظام، تمّ تحويل مخيم اليرموك من حاضرة مدنية كانت تنافس أحياء دمشق الحديثة في تمدّنها، إلى بقعة جغرافية خارج الزمن، ينتمي أهلها إلى سكان العصور ما قبل الوسطى على نحو تلبية احتياجاتهم البشرية البسيطة. وتحوّلت أنا مع صدور هذا القرار من طالب جامعي في علم الاجتماع كان يخطط لدراسة مجتمعات ما بعد الحداثة، إلى مراقب بسيط لانهيار المجتمعات والعلاقات ما قبل الدولة.

***

بدأت كلمة الحصار تأخذ معنىً دلالياً مختلفاً على ألسنة الناس، وكأنهم انفصلوا عن الواقع. تراجع الحديث عن إسقاط النظام وعن بناء عالم مختلف، وعما ستؤول إليه الأمور فيما بعد، توقفوا عن التفكير في بيوتهم التي تتهدم فوق رؤوسهم. كان الجميع يتحدث بشيء واحد يشبه اليقين الغيبي والقناعة المطلقة: «سنهزم هذا الحصار». كانوا وكأنهم يتجهّزون لنزال مع وحش أسطوري اسمه “الحصار”. بدأ الأمر هكذا، ولم ندرك أننا كلنا كنا على موعد مع خسارات لن تستطيع أسوأ الكوابيس أن تصورها!

ربما كنت متحمساً مثلهم، وكنت في بدايات الحصار أردد العبارة الشاعرية الشهيرة «حاصر حصارك بالجنون… وبالجنون وبالجنون». لم أدرِ أن الجنون هنا لن يكون مجازياً بالمعنى التام للكلمة، فبدأت محدّدات الواقع بالابتعاد، لتحلّ مكانها الرموز، وبدأ شيء ما في داخلي يقول إن انتصارنا في حصار مخيم اليرموك هو إعادة صياغة رمزية للتاريخ، وأن هذا الحصار هو تماماً امتداد ما لحصار مخيم تلّ الزعتر في العام ١٩٧٦، ولحصار بيروت في العام ١٩٨٢، وهزيمة المحاصرين هنا هي هزيمة لمحاصري بيروت وتل الزعتر. بنفس الطريقة ودون تصريح، أعلن معظم كبار السن، الخارجين من فلسطين قبل ستين عاماً، عن رفضهم الخروج من المخيم الذي تحول عندهم إلى فلسطين جديدة يحاصرها أعداؤها ولكن بوجوه مكشوفة هذه المرة. وهكذا اجتمعت كل هذه المفردات الرمزية عند الفلسطينيين داخل المخيم في نقطة واحدة هي التغلب على هذا الحصار.

بدأت الأمور تأخذ طابع التحدّي عند الجميع. وصل الحدّ إلى إقامة مسابقة دوري كرة قدم داخل المخيم. في نفس الوقت الذي كان الناس يتساقطون جوعاً، كأنهم يتجاهلون الموت ويرفضون البكاء في وجه أعدائهم، في حين وضع عناصر النظام على مدخل المخيم ربطة الخبز محمية بعدسة قناص لا يعرف إلا القتل لكل من يحاول أن ينتزع كسرة خبز لطفل جائع، في سادية لم يسبق لها مثيل، كردّ فعلٍ على محاولة الفرح الموجود داخل المخيم المحاصر.

لقطة من فلم فلسطيننا الصغيرة: مقتطفات من مذكرة الحصار, ٢٠٢١. بإذن من المخرج.

***

لم يكذب عليّ التاريخ، كل الصور التي تشكلت في وعيي من حكايات تلّ الزعتر وبيروت شاهدتها بأم عيني في اليرموك. بدأ الناس يبحثون عن القطط والكلاب ليأكلوها، وصارت الكلاب الهائمة والجائعه تأكل القطط التي كانت جائعة هي أيضاً. أصوات الأطفال الجياع ليلاً تحرم حتى الصخر من النوم، وكان الرجال يغادرون منازلهم هرباً وضجراً من الجوع، ويذهبون أفراداً وجماعات إلى حيث كان سوق الخضار في المخيم، يمشون مترنحين من الجوع في شارع مكفهرٍّ وخالٍ، بعد أن كان ذات يوم مليئاً بالطعام، يبحثون عن أي عشبة يأكلونها بعدما أجهز أهالي المخيم على الصبّار وأكلوه. وكلما كنت أعتقد أننا وصلنا إلى ذروة الحصار، أُفاجأ بأن كل يوم يزداد سوءاً عن اليوم الذي سبقه.

***

أصبح الموت زائراً دائماً عند أهالي المخيم، ورحلة المقبرة اليومية أصبحت طقساً يومياً اعتاده أهل المخيم، كما يعتاد الطفل الذهاب إلى مدرسته كل يوم، وأصبح الجميع يعتقدون أنهم سيكونون الأموات التاليين.

***

أصبح الحصار هو الرفيق اليومي للسكان العاديين، لدرجة أنهم توقفوا عن التفكير كيف سنتخلص منه، أو هل نستطيع أن نتخلص. تعامل الجميع مع الحصار وكأنه قدر يجب التعايش معه، ولم يعرفوا أنهم بهذه الطريقة كانوا يقاومونه، كلٌ بطريقته.

***

خلال الحصار ازدادت معدلات الزواج بشكل غير منطقي، نظراً لصعوبة الأوضاع، تمسكاً منهم بالعيش وبإنجاب الأولاد في مواجهة آلة القتل والتجويع، وكأن لسان حالهم يقول: «إذا كنتم تريدون حرق الأرض، فسنزرع جوانب الطرقات». في الواقع كان الزواج وسيلة الرجال والنساء ليضموا أوجاعهم وخيباتهم ويدفنوها معاً في فراش الحب. كأنهم كانوا يصرخون في وجه العالم: «ربما قد تم قتلنا، ولكننا نسينا ان نموت».

***

سهرات الموسيقى والغناء التي كنّا نمضيها في بيوتنا المتنقلة نحن الناشطين، بين نهارين ونوبتين من القصف، ومن الجوع ومن الموت.

***

حملنا البيانو على عربة معدنية وتنقلنا به بين شوارع المخيم، نغني ونعزف ونصوّر بين الدمار ونرفع الفيديوات على اليوتيوب، عسى أن يرانا العالم ويسمعنا، وعسى أن يفعل شيئاً لإنهاء حصارنا، ولن يفعل أحد.

***

أم محمود، والدتي التي أبعدها الحصار عن زوجها بعد منعه من دخول المخيم واعتقاله لاحقاً، كانت فيما مضى ربّة منزل تسهر على تربية أبنائها وتعليمهم. وتمضي نهارها بين غرف المنزل في محاولة دؤوبة لتدير حياة سكانه بهدوء. ولكنها أصبحت فجأةً مخلوقاً آخر. وفي ظروف حصار حطّم كافة أشكال الروابط الاجتماعية، كانت أمي وبقية النساء اللواتي عملن في داخل المخيم، مختلفات تماماً عما كنّه في الماضي، قوياتٍ وكأن الناس يرونهنّ للمرة الأولى بهذه الصلابة. وعلى الرغم من هيمنة الأبوية التي تفرضها الحرب على المجتمعات، إلا أنهن استطعن أن يقلن ويفعلن ما شئن، بلا أي خوف أو حرج. مثلاً، لم تتردد أمي طويلاً قبل أن تبدأ بقيادة الدراجة النارية في وسط المخيم لتتمكن من التنقل بسهولة والعناية بالمسنين المنتشرين في أرجاء المخيم، من دون أن تبالي بما يشكل ذلك من توبيخ اجتماعي. في البداية كانت هي الممرضة “أم محمود” التي لا يستقيم نهارها قبل جولتها الصباحية على جميع جرحى المخيم، تقدم لهم النكات قبل الطعام والدواء. ولم يطل بها الوقت حتى سعت لتنظيم هيئة ترعى كبار السن في المخيم، ومعظمهم كانوا من جيل النكبة الخارجين من فلسطين قبل سبعين عاماً. هؤلاء المسنون ذاتهم كانوا مذهلين في بث الأمل، هم أنفسهم الذين رفضوا الخروج من منازلهم في المخيم، بعدما تعلموا الدرس جيداً بأن من يترك بيته لن يعود إليه مجددًا.

***

ينتمي أبو رأفت إلى هذه المجموعة. مثّل شخصية المضحك المبكي خلال حصار المخيم، وتختصر في شخصه الأحداث الفاصلة من النكبة والنكسة وحصار بيروت والمآسي التي عصفت بالفلسطينيين على مدار أجيال متعاقبة. تجسّد شخصية أبو رأفت معاناة اللاجئ الفلسطيني على مدار العقود بشكل مكثف، لكن كان وجهه من الوجوه التي تحمل الأمل، وتبشر بالحياة والفرح في ظل الموت المهيمن على سماء المخيم. مع أبو رأفت ضحكنا إلى حد البكاء، وبكينا إلى حد الضحك.

***

في الحصار تأتي عليك أيام يصل بك التشاؤم إلى أوجّه، واليأس إلى أعلى درجاته. تتحول إلى إنسان “نزق”، تستفزك أتفه الأشياء. حين تصل إلى هذه المرحلة، الحل هو الذهاب إلى تجمع للأطفال، والتلصّص عليهم ومشاهدة ضحكاتهم وسخريتهم من الحصار. صوَّرتهم وتصوّرت معهم، ضحكت معهم ثم ضحكوا عليّ، وعدت إلى المنزل، وصرخت «أنا متفائل!». ولكن حذراً من أن تخدع نفسك بأن الفرح يشبع الصغير أو يبقيه على قيد الحياة… الفرح يهدّئ الجوع أو يهدهده فقط، ولكنه لا ينجح في إسكاته… فالطفل الجائع لا يشبعه إلا الطعام.

***

إذا استطعت الهروب من القذيفة والاختباء في الملجأ، فإنك لن تستطيع الهروب من الجوع، فلا ملجأ لك منه. تجد نفسك مجبراً على أكل أي شيء، حتى الخبز المعفن وأوراق الصبّار وعشب المواشي… وتعلمنا أن نتعامل مع العشب كأنه أمر مقدس ونعمة من السماء… تعلمنا أنه سيكون وفياً إلى أن يأتي الموت… وتعلمنا ألا ندوس بأقدامنا على شيء، ربما اضطررنا إلى أن نأكله في يوم من الأيام.

***

لقد علمني الحصار التصوير والكتابة، ليكون التصوير نهاراً والكتابة ليلاً، وهي أصبحت واجبي المقدس حتى لا تضيع مني التجربة. كان في الوقت نفسه طوق نجاتي من الجنون. جعلني الحصار ألبس قناع المهرج، كي أُضحك أطفال المخيم وأتعلم منهم في الوقت نفسه عفوية الحياة التي كدنا نخسرها.

***

تنتهي أحداث الفيلم مع نهاية شهر أيار من العام ٢٠١٨، أي زمن انتهاء الحصار وتهجير أهالي المخيم. ففي منتصف شهر أيار من العام ٢٠١٨ أطلق النظام السوري وحليفه الروسي معركة تهدف حسب مزاعمهم إلى تحرير المخيم من قبضة “داعش”، التي استولت على المخيم في ١ نيسان ٢٠١٥. ولم تنتهِ المعركة إلا بعد تدمير مخيم اليرموك كاملاً، وقتل عشرات الأبرياء وتهجير من تبقى إلى مناطق مختلفة من سورية، من بينهم أمي التى غادرت المخيم إلى مدينة يلدا بعد اسشهاد صديقها أبو خالد، سائق سيارة الإسعاف، في حين تمّ نقل جماعة “داعش” في باصات مكيّفة من مخيم اليرموك إلى منطقة السويداء.

***

واليوم المخيم عبارة عن كومة من الركام وخيالات السكان الذين حوصروا وهجّروا قسراً من مكان، لطالما اعتبروه وطنهم الثاني. مخيم اليرموك بالنسبة لي، وبالنسبة لأهالي المخيم، هو فلسطين إلى أن تعود فلسطين. المخيم هو “فلسطيننا الصغرى”

***

وها أنا غادرت الجنوب الدمشقي إلى الشمال السوري مهاجراً برفقة من بقي من أهالي المخيم، مكملاً طريقي إلى تركيا، لتنتهي رحلتي في مخيم آخر في برلين في ألمانيا، منفياً من أرضي ومن لغتي.


شكرا للاستاذ أحمد عمرو الذي ساعد في كتابة وتحرير النص الأصلي لهذا الملف.