عِلّة (اسم): في اللغة الاسكندنافية القديمة: “ضاع في سحاب الزمن”.
مريض (صفة): ” عليل، مريض، مضطرب، متأثر بعمق”. ” متعب او سئم، قرف من التخمة”، ملتوي عقليا، seocmod، واهن في العقل.
ماذا عن “المعاناة” (صفة)؟
ذات مرّة، أثناء الجائحة، شعرت بالمرض. بقيت مريضةً جداً لأشهر. يقولون لي أنّي دائماً مريضة. يقولون إنني مُراقية، أعاني من وسواس المرض. يقولون إنه مجرد جَزَعْ. فالبعض لا يصدقني وأولئك الذين يصدقوني أحياناً، لا يصدقونني في أحيان أخرى. يختفي البعض ويظهر البعض منهم من جديد. بعضهم يُسارع إلى تقديم العلاجات والطبّ الروحاني. شعرت أنّ هذا المرض مرض عُضال. إنّها نهايةٌ تُنهي كل النّهايات. كان ما في داخل امعائي أسودا ًوسائلاً مثل القطران، نَفَسي مكبوحٌ في قفصي الصدري ورأسي ساخن بما يكفي لاستشعار جميع فحوصات الحرارة التي تجرى في أنحاء المدن. كان برازي حارا ً وأسودا ً سائلا ً من احشائي- إلى حدّ – تذكيري بمقالة قرأتها من بين آلاف المقالات المتداولة التي تذكُر أن هذه الحالة يمكن أن تكون أحد الأعراض. كان من الصّعب معرفة بعد كلّ ما شاهدناه، ما إذا كان هذا المرض هو الوباء نفسه الذي أصابني، مع احتمال أن ينقلب ضدي في اليوم الخامس أو يجعلني أنقلب ضد نفسي. كنتّ أقيسُ درجة حرارتي كل خمس عشرة دقيقة. انكسر مقياس الحرارة. لكنّ حرصي اليقظ الدقيق يتفوّق على أي مقياس حرارة أو مِسبار طبيب أو جهاز رنين ميكرو مغناطيسي أو اختبار ماسح بسيط؛ أنا المِسبار. وعندما لا يتمكّن حرصي من التفوق، يتصدّع، ويبدأ في التلمّس مثل مدمن يبحث ويسعى بنفس الطريقة التي يسعى بها الحبيب الولهان إلى مسعاه. إنه بحاجة ماسّة إلى التأكيد، والتأكيد لا يأتي، وإن اتى، لا يصدّقه، يدْحَضه. إنه يسعى.
أقود نفسي إلى مركز اختبارات الكشف عن فيروس كورونا في ليلة مظلمة من آذار. لأوّل مرة في زمن طويل، كان أصدقائي يراقبون التطورات عن كثب. أصل إلى مركز الاختبار مرتدية الـ KN95 وقفازات مطاطية ونظارات شمسية ماركة دانيال هيشتر (Daniel Hechter) مزيّفة ذات الإطار الكبير (ضد الرذاذ وليس للوقاية من أشعة الشمس). أصِلُ مشوّشة. لم يكن هناك أحد في الشارع، ولا أحد في الجوار، ولا أحد يمكن رؤيته. وكأنّ مذنّباً قد ضرب الأرض، الجوار، بيروت. بدا وكأنّ جماليات أفلام الرعب حول نهاية العالم “الأبوكالبتكية”، زائد جماليات زمن الطاعون في القرن الخامس عشر، قد رافقت الإغلاق التام لواجهات المتاجر وحظر التجول وإخضاع الطرق لمراقبة الشرطة والحجر الصحي والوجوه المقنّعة واختبارات درجة الحرارة عند عتبات المداخل والظّلال الطويلة البائنة من بعيد والظلام والشوارع المفرغة والصمت المُطبٍق الذي عنى أنه يُمكنك سماع صوت أنفاسك في المدينة ليلا. كل هذا لا يزال جديدًا علينا. وقد عرفنا إنّه أمر غريب وموحش، ذاك الشيء الذي يمكن أن نتعرّف عليه داخل ما لا يمكن التعرف عليه.[1] أتنفّس شهيقاً من خلف قناعي، وقلبي ينبض. بغواية، يطلب مني الشّابُّ في مكتب الاستقبال رقم هاتفي. كان يرتدي القناع بطريقة عكسية وقد وضع وقاء وجهه على الطاولة. ما هذا الهراء؟ كنت مُدرّبة بشكل جيد على إثر سنوات من المراق، بدأت عمل الحراسة اليقظة منذ زمن. بئس التقنية السياسة الحيوية، كنتُ أنا شُرطة ال (كوفيد-١٩)، والمتمرّد مصيره الغولاغ. عندما دخلت، أمرتني المرأة من المكتب المجاور أن ابتعد إلى الوراء- فكان ذلك أقرب إلى ما يجب أن تكون الأمور عليه. أخبريني ماذا عليّ أن أفعل. كان شعوري متضارباً بين الألفة والغربة. لم أرَعن هذا القرب من قبل بدلة كاملة مضادة للفيروسات. إنها مثيرة للإعجاب وبيضاء للغاية، مع أني لطالما زرت المستشفيات مِراراً، بقلب مضطرب خافق، معتقدة أنني قد أموت. لاحقًا، ستظهر نتائج فحص الكورونا الخاص بي انها سلبية ثلاث مرات، لكنني سأظل أشعر انني مريضة جدا، كما لو أنني سأموت.
في العام ٢٠٢٠ ميلادي، أعلن عن وباء تنفس فيروسي من قبل «منظمة الصحة العالمية»، وهي المنظمة التي عيّنها شخص ما لإدارة جسد العالم. نشاهد في نشرات الأخبار وتطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي وشبكات التلفزيون إغلاق الدول للحدود، وفرضها حظر التجول وإغلاق المدن والبلدات والتنازع على الكمّامات واختبارات المسح. أصبحت الحكومات مسألة ذات أهمية من جديد. يُكتَب الكثير عن الطبيعية المُستحثة لإجراءات الدول السياسية الحيوية والاقتصادية.[2] أصبح للعالم لغة فيروسية جديدة: الإغلاق العام، الإغلاق الجزئي (Tier 1، المستوى الثاني للأحداث ذات الخطورة العالية Tier 2)، العزلة الذاتية، اختبار ال (PCR)، معدات الوقاية الشخصية، التباعد الاجتماعي، ومن فضلك، حُباً بالرَّب، غطّ وجهك!. يخسر الملايين أشغالهم، البعض الآخر يصبح مريضا جدا بسبب أشغالهم. تعاني الطبقة غير الحاكمة من الآثار الجانبية المتتالية لإيقاف أنظمة دوران سلسلة الإمدادات في جسد العالم، أو شبه توقفها، فمتى لم نكن نعاني؟ وبما أن مؤشرات الأسواق المالية، كما يوضح وزير المالية الاشتراكي الوحيد في تاريخ السياسة المعاصر يانيس فاروفاكيس، جيدة جدًا،[3] كان الجسد الاجتماعي والاقتصادي في ترنّح دائم، حيث يمكن رؤية ذلك بوضوح الآن بسبب الإصابة الناجمة عن الفيروس وبروتوكولات العلاج الخاصة به. يعود المكبوت ويُظهر ما كنا نعرفه، وهو أن الحالة الراهنة، ومن حيث البنى التحتية واللوجستية، ببساطة، لا يمكن أن تستمر على حالها إلا للقلة القليلة.[4] نحن الشيوعيون، نظراَ إلى ذلك، رأينا بوارق شيوعية تظهر في الإدراك الفردي والجماعي بطريقة غير متعمّدة. يمكن أن تتغيّر الأمور! ليس فقط النضال المجزّأ للتنسيق، ولكن على هيئة التنسيق أن تخدم وجود الجميع وحرية الجميع. (بينما اندفع البعض إلى أحضان رغبته في العودة إلى «مرحلة سابقة/ما قبل». يظل البعض الآخر على متغيرة بسبب غرابة الأحداث. يسمح غير المألوف هذا بتقلّص المسافة بين ما نعرفه وكيف نعيش).[5]
تجدنا نلهث، نختنق، نحول رؤوسنا بعيدًا عن الشاشة عند رؤية موت “جورج فلويد” الموثّق تحت ركبة شرطي خنزير. نشعر بنفس الأحاسيس الجسدية عندما نعلم أن أمًّا سقت ابنها ماء البحر ليروي ظمأه فيموت في طريقه إلى مكان ما. كيف يمكن للنظرِ عن بعد، أن يُحدث هذا الصدى الجسدي؟ هل النظر من خلال الأعين يجعل التعاطف جسماني؟ يخبرك أطباء الأعصاب أن الخلايا العصبية للقشرة المدارية الأمامية للدماغ تجعله كذلك. حسب تقنيات التصوير وعلى ما يبدو، معظمنا مجهّز بالقدرة على التعاطف والانعكاس. عرّف “ميشيل دي مونتين” في فرنسا بحلول القرن السابع عشر هذا الأمر بالقياس، نظراً إلى المرض وقوة خياله: «أنا واحد من أولئك الذين يشعرون بقوة بضربات الخيال القوية… إنها تترك انطباعًا عميقًا بداخلي، مهارتي تكمن في تجنبها أو مقاومتها… رؤية معاناة رجل آخر تنتج بي معاناة جسدية، وحساسيتي الشخصية غالبًا ما اختلست شعور طرف آخر. الذي يكحُّ بشكلٍ متوالٍ يثير رئتي وحلقي».[6] تقول حكمة ساخرة اقتبسها “مونين” عن الشاعر الروماني “مارشال”: «ما أعظم قوة تزييف المرض: توقف “كايليوس” عن التظاهر بالنّقرس، فقد أصابه».[7] قصص عن جنود تظاهروا بالعمى لتجنّب النفي، وأدركوا بحكم الأمر الواقع أنهم لم يعودوا قادرين على الرؤية. عندما كنا صغارًا، أخبرنا آباؤنا ألا نحولّ أعيننا لأنها قد تصاب بالحَوَلْ. ادّعاء الشيء يُودِي للوقوع به. الوقوع في المرض. الوقوع في خدعة. السقوط في الهاوية.
ماذا عن الوقوع في المرض رغم عن وضد نفسك؟ في انشقاق عن نفسك؟ تشعر أنك اجتُحتَ اجتياحاً تاماً. أو تشعر أنك محمي بأعراض، التي – تعقلن – تساعدك على البقاء متكاملاً. أو لا يمكنك معرفة الفرق. كلما نجحت في التخمين، ووجدت طريقة للخروج، كلما كنت أسوأ في اللعبة.
كانت علاقة “إيدا باور” (دورا) مع والدها مضّطربة، وأصبحت صامتة بشكل هيستيري، ونموذجًا لاضطراب التحوّل. في منزلنا – عندما لم نكن في دوامة حرب أهلية متقطعة – نشأنا على قراءة كتاب طبي أمريكي كبير الحجم. كنّا نقرأه كلما ظهرت علينا أعراض المرض. نقرأه للترفيه. كان فيه أدوات لتعقّب الأعراض سبقت ظهورها على الإنترنت. تعلّمتُ كيفية التشخيص الذاتي قبل أن أتمكن من التفكير بتجرد.[8] في الواقع، صاغ التشخيص تفكيري بشكل مجرد.
في فيلم «الاسم الأول كارمن» (Prenom Carmen)، يلعب “جان لوك غودار” في فيلمه دور كاتب. كشخص في ازدواجية مع ذاته ينزل في مستشفى للطب النفسي حتى يتمكن من الكتابة. تُهدّد المستشفى بطرده إذا لم يتمكن من الاصابة بالحمى في اليوم التالي. يردّد كل يوم: «أنا على يقين من أني سأمرض» (“Je suis sûr que je vais tomber malade”).
بينما كانت أوروبا منخرطة في امبرياليتها الظلاميّة والتنوير العقلانيّ، عانى الرجال والنساء البرجوازيون من التوتر الشديد والنوبات والوعكات والحساسية والذعر والقنوط. في القرنين الثامن والتاسع عشر، كانت أوروبا المكان الذي يعيش فيه المُراقي. كذلك في اليونان القديمة والإمبراطورية الرومانية والعوالم داخلهما أيضاً. كتب الرواقيون والفرس أن العقل يؤثر على البدن. في عام ٢٠٢٤، تصاب “لورين أولامينا” بفرط التشاعُر.[9]
يرقد المُراقّان (Hypochondrium) تحت القفص الصدري، بين البطن والرئتين. هذا هو موقعه. مرض له أعراض، ليست خيالية، بل هو مرض جسديّ. أدّى تفريق المرض الوظيفيّ عن المرض العضويّ في علم الطبّ المتأخر إلى إلغاء السؤال «أي مرض لا يكون بدنيّا؟» سيجد المُراقي أنه في مفارقة مع الزمن. يتم إبعاد الأمراض من حدائق الطب، حتى لو- أو لأنه – قيل الآن أن الرّوح تعيش في الشبكات العصبية للدماغ.[10] ترحّل المُراقّان من داخل الضلع والرّوح حيث عاش على مر التاريخ، وأُخبر أنه يجب البحث عن هوسه وأمله وفزعه في دماغٍ مصاب باضّطراب الأعراض الجسدية، أو أكثر، مصاب بالاكتئاب المستتر.[11] هذا ما أراده منذ البداية. أن يُطرد إلى دارة التشخيص والعلاج والتكهن. جلب المُراقّان مستقبله إلى حيّز الوجود. وبنكرانه لمرضه تحت واجهة جديدة لمرض نفسي قابل للعلاج، “شفي الآن!” تَمكّن أخيرًا من إنكار تضاريس أعراضه وموقع مظلوميته المعقّدة مرة واحدة وإلى الأبد. هو وشقيقته السوداويّة. يمكنهم الآن التوصل الى السلم الداخلي الذي تطلّعوا إليه. السلم في مثبّطات امتصاص (النوربينفرين والدوبامين). السلم في تعلم التوقف عن التكرار.
«٢٠٢٤: المعجزة، في جوهرها، هي القدرة على التكيف، وهي الهوس المثابر الإيجابي. بدون المثابرة، ما يبقى هو حماس اللحظة. بدون القدرة على التكيف، يمكن تحويل ما يبقى إلى تطرّف مدمّر. بدون الهوس الإيجابي، لا يوجد شيء على الإطلاق».[12]
ما هي درجة السَقَم التي تؤهلك لتكون لائقًا للمرض؟ ومن المسؤول عن تأهّلك؟ عندما تكون مِحنَتُك، بالنسبة للآخرين، عرضًا وليست مرضًا. عندما، بالإجماع، يخدم «عدم مرضك» غرضًا نفسيًا، على عكس المرض «الفعلي».
من دون ترتيب معين: لم أستطع تناول الطعام لعدة أشهر دون أن يتألم الجزء العلوي الأيمن من بطني ويتورم ويتصلب ويصبح طري الملمس، وحدث ذلك أحيانا حتى بدون طعام. تجشأت فقاعات ضخمة ارتفعت لأعلى قصبتي الهوائية، مما جعل الابتلاع صعبًا. خسرت ستة كيلوغرامات. لم يعد بإمكاني التغوّط إلا مرتين في الأسبوع. أصبت بطفح جلدي حول عيني وسرة بطني. استيقظت في منتصف الليل وكأن رِبَاطاً ضيّقاً التفّ حول صدري، واندفعتُ من السرير إلى الشرفة لالتقاط الهواء. لأشهر متتالية، كان وكأن مشدّاً يلف منتصف جسدي، حول مراقّاتي. ببساطة لم أستطع التنفس، لم أعد قادرة على التنفس أو النوم كما كنت سابقا. تعرضت لنوبات تثاؤبٍ متكررة. فالتعرق الليلي والصداع بعمق وحدّة، كانا إيماءتين لي بالاستيقاظ. آلمني مهبلي في الجانب الأيمن بشكل مستفحل. فاتتني الدورة الشهرية للمرة الأولى منذ أن كان عمري إحدى عشرة عامًا، أو منذ كنت حامل. كنت مرعوبة ومُوسْوَسَة وبكّاءَة. أصبت بكدمات في ساقي. كنت أحلق في الحمام ووجدت الغدد الليمفاوية مرتفعة. دون ترتيب وحسب وقت الإصابة أو الشكّ أو الخطورة، قمت بتشخيص نفسي بـ: حساسية غير طبيعية في الأمعاء. تضّخم الكبد. فيروس كورونا. سرطان الغدد الليمفاوية. انسداد الصفراء. ورم في المخ. الصداع العنقودي. سرطان الأمعاء الدقيقة. تصلّب متعدّد. العُوار. الحساسية. مرض القلب. ضغط دم مرتفع. ضغط دم منخفض. ضيق النّفس الليليّ الانتيابي. متلازمة الساق القلقة. الداء البطني. الداء الزلاقي غير البطني. سرطان الفرج. بداية مبكرة لسنّ اليأس. فيروس كورونا. صداع عنقيّ المنشأ. ألم عصبيّ قذالي. سرطان الغدد الليمفاوية. الرّبو. سرطان الرئة. مجرد عسر هضم. ليفوما النسيج اللمفاوي المرتبط بالمخاطيّات.
من دون ترتيب معين وبشكل دوري، أفتح مقل عيني وأتحقق من تغير اللون. أفحص ثديي وتحت ذراعي. أستشعر كبدي بحثاً عن انتفاخ. أقيس درجة حرارتي (قبل أن يصبح قياس الحرارة رائجاً). أجلس في حمامات المقعدة الدافئة. أستنشق الزيوت العطرية الساخنة. أغلي وأبتلع الأعشاب والجذور والأوراق والمساحيق والزيوت. أُقطّر سوائل مُرّة داكنة في ماء الشُّرب. أتمضمض بالماء الدافئ المالح. آخذ شَرْبَاتٍ من ماء الزَّهر المُرَكّز وأمضغ رحيق الشجر. أتحقق من الحلق واللوزتين بضوء هاتفي. أقيس نبضي. أًذيب الأملاح المُغطَّاة َبالسُّكر تحت لساني. أستخدم جهاز الاستنشاق، وأخفّف الكولاجين في العصير. إنّ رَفَّ ثلاجتي العلوي مليء بالعِلاجات التي اشتريتها عبر الإنترنت.
«للمرقان قدرة أدائية على تصديق شهادته بذاته، وعلى تحويل الترقُّب القلِق إلى نُبوءَة تُحقِّق ذاتها بذاتها. لهذا النوع من الوهم قُدرة غريبة على إثبات صِحَّته: يُولّد القلق ما يخشاه؛ الخوف من السُّقوط يجعلك تسقط».[13]
لا يُصدّق المُراقّيّ أحداً. نُريد أن نثق، لأنّنا نُحب الجلوس في مكاتب الأطباء، وفي غرف الانتظار، وعلى مَلاءَات بيضاء جافّة، وفي غرف التّصوير المُظلمة، مُنتظِرين الإجابات. فنحن نتراجَع ونخشى ونواظب ونعصي العلم، ونُشكِّك في مَراسِيم المُؤسّسة الطبيّة في الوقت عَيْنه. اللَّا معرفة؛ هي حالة وجود المُراقّيّ. فلا شيء مَوثُوق، أو وموافق عليه بثبات ولا شيء مَعرُوف بِصُورة تامّة، وبالتأكيد ليس عن العديد من الأمراض. ولكنَّ المُفارقَة؛ أنّنا نعلمُ علم اليقين. لذلك يمكن للمرقّان أن يقول: أنا فَطنْتُ قبلك إلى أنَّ تركيب الجسم كنظام للمَناعة هو اختراعٌ حديثٌ (إ. كوهين) أو أنّ الجسد المُصاب بالندوب هو أيضاً الجسد الاجتماعي (أ. سكاري). فما أعرفه هو أنَّني مريضة؛ أنا وأنت معي. «الأنا» التي تَنطِقُ مُنفصلةٌ في الزمن. لقد اعتاد المرء على سماعها، ولكن لم يَعُد أحدٌ يسمعُها لأنَّه عليها أنْ تسافر عبر القُرون. إنَّها حالةٌ من اللّا الثقة المتبادلة – فلا أحد يُصدّق المُراقّيّ، والمُراقّيّ بدوره لا يُصدّق أحداً.
«الإحساس هو عدو القياس الكميّ. حتى الآن، لا توجد آلة يمكن للجهاز العصبي أن يرسل إليها إحساساً ليتم تحويله إلى قياسٍ وصفيٍ بشكل كافٍ».[14]
أشعرُ بالخجلِ حين أستغرِقُ في التفكير أو الكتابة عن الجسم والمرض والموت، في حين أنَّ كاتباتٍ مثل “آن بوير“، و”أودري لورد“، و”سوزان سونتاج“، و”كاثي آكر” عانيْنَ من أمراضٍ سرطانيّةٍ عنيفةٍ، وكابدْنَ عناء الأنابيب والعلاج الكيماويّ والعلاجات الإشعاعيّة المؤلمَة. في الواقع، مُتْنَ جميعاً جرّاء مرضِهنَّ، باستثناء “بوير“. فَقدْنَ حياتهُنَّ. بعد أن كتبتْ “سونتاج” (ضد) المرض كاستعارة (Illness as Metaphor) ماتت بداء السّرطان. هل المُراقي استعارة؟ القلقُ والشعور بالانحباس من أن تجدِي نفسكِ عالقةً داخل استعارة أثناءَ محاولةِ فهم حالتك مجازيّاً.[15] يبدأ كتاب “بوير” بقصيدةٍ مُهداةٍ لجميع الكاتباتِ اللّواتي تُوفّينَ بسرطان الثدي، ولنسبها ومعاصريها. كلُّ تلك الرِّعاية غير المُسمّاة، وكل التّاريخ المادّي لتلك الأشياء التي يَحقنوها فيك وفي سرطانكِ وسرطانات الآخرين. ما هو نسبنا؟ ربّما هو مادةُ استهزاء العلوم الطبّية المُعاصرة، ممّا يجعل المُراقّيّ غير قابل للتَّصديق، ويجعلْهُ مضيَعةً للوقت أو المَوارد الطبيَّة. رُغم ذلك، فقد كُتبتُ مجلّداتٍ عن المُراق. المُراق هو مرضٌ ذو مسبّبات يتبع علم السببيات. «النظر في المرقان هو النظر في طبيعة المرض بمعناه الأساسي…فيما يمكن ولا يمكن تسميته بالمرض».[16]
صديقةٌ مقربةٌ أصيبَتْ بِوَرم. في اللّيلةِ التي أخبرتْنِي فيها بذلك، لم أستطع النَّوم. في الحقيقة؛ لم أستطِعْ التنفُّس. أُصبْتُ بنوبَةِ “ربو” اعتقدتُ أنَّها ستخنُقُنِي حتَّى المَوت. سرطانُها عنيفٌ لا جِدال فيه، فالسَّرطان هو رفيقٌ كاذبٌ وسارقٌ، يُخبرْك بالحقيقة في نهايةِ المطافِ بعد فواتِ الأوان. ماذا يمكنني أن أقول لها غير أنِّي أُحبّها وأُشعرُ بها بعُمق؟ لأنَّ هذه هي الحقيقةُ فعلاً. أكثر من أي شخص لا يَحتضر، أكثر من شخص آخر (ألسنا جميعا نحتضر؟) رُعب وخيال المُراقيّ يولدان تعاطفاً عميقاً ومُطلقاً إذ يُجسِّدان الألم والخوف وخَدَرَ المرض والموتِ الوشيك بشكل لا مثيل له. هذا إنْ لم تكُن هكذا حالتُهُنَّ جوهريّاًّ. أنْ يكنّ في حالة مرضٍ كما لو كان مرضهُنَّ. لأنه بطريقة ما هو مَرضُهُنَّ. عاجلاً أم آجلاً، سوف تموتينَ بسبب شيء ما. عاجلاً أم آجلاً، سيجدُكِ المرض الذي تستبقينه بالحروب والتنبيهات. تعدَّدت الأسباب والموت واحد.
«سوف تموتين، ليس لأنك مريضة، بل لأنك على قيد الحياة؛ حتى بعد شفائك من المرض، النهاية نفسها تنتظرك. بعدما تتعافين، لن يكون الموت ما نجوت منه، بل الموت مرضاً».[17]
هل من المُمكن الإصابةُ بكلّ هذه الأمراضِ وغيرها تِباعاً وباستمرار؟ هل من الممكن أن تمرضي في جميعِ الأوقاتِ بجميع العلل؟[18] أليس الجّسم جسماً عندما يفعل؟ عندما يُدافع؟ يُقاتل؟ يتفاعل؟ ربَّما الجسم ليس جسماً إلَّا إذا كان دوماً مريضاً؟ الجسم المدافع و/ أو الجسم القاتل. فما الفرق والمسافة بين الأعراض والتشخيص؟
هل من المُستحيل أن تكوني مريضةً طوال الوقت؟ تساءلنا بعد الانتفاضَة اللُّبنانيّة. هل من الممكن أن نختبر تِباعاً، الدَّيْنَ، والانهيار، والكوفيد-١٩، والإقفال العام، والرّكود، والتَّضخُّم، والانفجار الذي تساوي شدَّةُ تدميره ١٠٪ من قوّة قُنبلة ذَريَّة؟ اتَّضَحَ أنَّهُ ممكن. متى سينتهي هذا؟ أو كما تُذكّرنا صديقتي، فنحن نرغَبُ أو نمزح حول نهايةٍ تُنهي كلَّ النِّهايات، مُعتقدين أن ذلك سيُخرجنا من بُؤسنا، هذا الاعتقاد ينَظِّم بالتَّالي عمليَّة إنكار حقيقة أن الأمور يمكن أن تزداد سُوءاً، وهي بالفعل تَسوء.[19]
نادراً ما شعرتُ بالسوداويَّة، وبأنَّني مُصابة بمرض مُزمن كما شعرتُ في نشوةِ الانتفاضةِ الثوريَّة الأولى التي عِشتُها.
نكون في حالة المرض بنطاقِ العدوى، من خلال المجاز أو الخيال أو التَّحقُّق. يقولون أنَّنا جسدٌ سياسيٌّ (body politic) وكيانٌ جسديٌّ (corporate entity) وأجسادُ دولة (corps-d’état)، وذات سيادة (Sovereign). “لوياثان” يُطلُّ على أجسادٍ عديدةٍ. يفقد الجسم مناعته عندما تكون حُدوده، أو حِراستُهُ الدَّاخليَّة مُعطَّلة. هكذا يُباغَت الجسم الاجتماعي ويُثقب ويُجتَاح. جسمٌ موبوءٌ في حاجةٍ إلى التَّطهير. في حاجةٍ إلى مسهلات وحُقَنِ التَّنظيفِ الشّرجيّة والتريفالا، إنما أكثر دمويَّة. كَثُرَت الاستعارات البدنية العسكرية عندما أعلنت الدول القوميَّة عن معركتها ضد “كوفيد-١٩“. كما رأينا ايضا، تصورا مرحليا من التصنيف: إبرازُ جسمنا العابِرِ للحدودِ القوميَّة في خريطة العالم، وهو يضيء باللون الأحمر والبرتقاليّ والأزرق في مراحل مختلفة من التفشِّي، في مَسْحٍ واحدٍ كبير لتصويرٍ مقطعيّ (PET Scan).
(ملاحظة): إنّ طرح، الصحّة العامّة الجيدة مقابل الاقتصاد الجيد هو طَرحٌ خاطئٌ. إنما ما يؤكده هو، أن نمط الإنتاج الرأسمالي هو الدعامة للعالم. مادية تاريخية مجاهرة.
«لأنَّ الصّحة، مثلَ الوُجود، ليست موضوعاً مُحتملاً للإدراك، لا يُمكننا أبداً تحديدُ ما إذا كُنَّا بصحَّة جيّدة (إنَّ الحاجةَ ذاتها لطرحِ السؤال، تشير بالفِعل إلى أن شيئاً ما ليس على ما يُرام) ، وكل مُحاولة للإجابةِ عليه، تفترضُ حتماً صحّة ما تطلب إثباته، بل إنّها تفتح أيضاً ثلُّة من الأمراضِ الجديدةِ التي تمتدُّ من الفردِ إلى الجسم الجماعي، ويمكن حتى أن تَطمِسَ بشكلٍ سامٍّ التمييزَ بين هذهِ الأمراض».[20]
سألني المعالج بالطبِّ التَّجانسيّ: ماذا يحدثُ عندما أرى مشهدَ معاناةِ شخصٍ ما؟ أجبت بالسؤال: «هل يوجدُ دواءٌ لذلك؟» … وضِعت على علاج الأملاح المعدنية.
ناترييوم مورياتيكوم: «الهُزال والضَّعفُ والإعياءُ العصبيُّ والتهيّجيَّة العصبيّة… هناك سلسلة طويلةٌ من الأعراض النفسيّة؛ حالة هستيريّة للعقل والجسم؛ بكاءٌ بالتَّناوُب مع الضَّحك… سيتبعُ ذلك بكاءٌ وحزنٌ كبيرٌ وفقدانٌ للبهجةِ. هي مُخدِّرةُ الأحاسيس، تحزن بسهولة، وعلى أصغر الأشياء. تتذكَّر الأحداثَ غير السَّارة من أجلِ أن تحزنَ عليها. فَاقَمَ العزاءُ حالةَ العقلِ – السوداويَّة والبكاء يُثيرانِ أحياناً الغَضب… هذا العلاجُ خاصٌ بالفتياتِ الهستيرياتِ. المَعِدة مُنتفخة من الغازات… نَجِدُ امتلاءً في منطقة الكبد مع آلام غارزة ومُمزِّقة».[21]
هيستريكوس ( Hysterikos): معاناة الرحم. هيستيرون(Hysteron): جنون الرّحم. اختناق الرّحم. تجوّل الرّحم. سوداويَّة الرّحم. في “بردية إبيرس” من العام ١٦٠٠ قبل الميلاد، وهي أقدمُ وثيقة طبيّة تحتوي على إشاراتٍ إلى متلازماتِ الاكتئاب، وُصِفَتْ الأعراضُ التقليديّة للهستيريا بأنَّها نوباتٌ توتريَّةٌ رمعيّةٌ وإحساسٌ بالاختناقِ والموتِ الوشيكِ (اللُقمة الهستيريَّة عند فرويد).[22] أيقظني الضرب في القفص الصدريّ من نومي في مُنتصف اللّيل. توقَّف الهواء أعلى البطن. حبستُ أنفاسي على أمل أن يكون الشهيق ممتلئاً. شعرت بالارتعاشِ من الخوفِ ونقصِ الأوكسجين، واندفعتُ إلى جهاز الاستنشاق الأزرق. دفعني بطني الحسّاسُ وقلبي المُتسارع وجسدي الوَخِزً ورئتيَّ المكبوحتانِ إلى تخيّل المَوت في جميع الأوقات. أن أرتَعِبَ منه. المَحدود كنهايةٍ لهذه الحياةِ والوَداعَاتُ في جنازتي. ماذا لو لم أصِلْ في الوقتِ المناسب؟ ماذا لو لم أصل لتنقذني العلوم الطبيّة، بإبرها، وكاميراتِها، وأضوائها، وأسرّتها البلاستيكيّة الجلدية الباردة السوداء، والمعاطف القطنيّة، وبطاقات الأسماء، والمواد الهلامية الباردة، والمواد الأفيونيَّة التي تسبّب العطش؟ هي قوة التفاضل بالنيابة عني.
المرأة الحكيمة التي تجاوزت سِنّ الإنجابِ، هي ساحرة مُطَارَدة، تُحرق على الوَتدِ ليس لأنها تقومُ بأعمالِ السحرِ بنقعها الأعشاب والشجيرات والعظام، ولكنْ لأنَّها تُهدّد تقسيم العمل. إذا أنتجت تلك السلعة الخاصة «قوة العمل»، يمكنك تخيل ما يمكن أن يحدث إذا توقَّفَت عن العمل، أو إذا أحد أوقَفها. بالطريقة ذاتها التي يهدد بها السوداويُّ، وربما المُراقيّ (وبالتأكيد الهستيري) بالانسحاب، والرفض، والاغتمام، والقلق، والغيظ، وعدم التصديق، والشك اللامتناهي. أصغ! مرحى الجيل الجديد!
أعتذر من طلابي فصلاً بعد فصل «إنه مرض الربو الذي أعاني منه، أنا آسفة، لست أتثاءب، كل ما أحتاجه هو الهواء». في الثالث من آذار من عام ١٨٨٨ أعطى “م. شاركوت” درساً في “سالبترير” وعرض للجسم الطلابيّ المرأة الهستيرية المتثائبة -كثيراً ما كانتْ تتثاءَبُ، ثمان مرات في الدقيقة- عرضها مُنذراً: لا تكونوا سَهلي التأثُّر، لا تَدعوا أحداً يُوقِعُكم في حالة خَدر. يشابه صوت لفظة “التثاؤب” صوتَ فِعل التثاؤب. (sbadiglio, gähnen, bâiller). لا تنظروا.
تبدو أعراضُ ما بعدَ الفيروس كالأشباح. في غياب الأضرار العضويّة، يُظهِرُ الجسم الأحاسيس كأعراضٍ. كما لو أنّ الجسم أصبح ملنخولي بعد المرض. تتبدل «الأنا» من خلال استيعاب ما فُقد، والتجانس الزَّائد معه إلى حد أن الشيء المَفقودَ لا يبقى موضوع الفُقدان، بل يُصبِحُ الفقدان نفسه. أنتِ لا تتخلّين لا عن الفُقدان ولا عن الشيء، وبالتالي تستوعِبيْن كليهما حدّ الامّحاء بداخلك. هو ليس حزناً ثم تعافياً. هو حزنٌ مجسّدٌ مُضمّن. إنّه يُشكّل جُزءاً من آلية الذّات بطريقة شبحيّة “ج. أجامبين”. لم يحدث فقدان الشيء أبداً منذ ذلك الحين، ولم يَقتَصر الأمْرُ على عدم امتلاكه مُطلقاً، بل تمّ بالفعل إخفاؤهُ داخليّاً، وقائيّاًّ، لضمانِ الحيازةِ الكاملة. أو إذا تمَّ عرضُ الفُقدان، فهذا يعني أن الشيء لم يكن أبداً هو الموضوع الحقيقيّ، بل كان تخيّلاً، شيءٌ مزدوج.
الحمقى فقط يقومون بالتحليل النفسي الذاتيّ.
ما هو «حافز الموت» (العكسيّ)؟[23] من الأنانيَّة إلى الغَيريَّة، والقسوة إلى الشَّفقة، والحبُّ الشديدُ للكراهيةِ الشديدةِ، في ذات الشخص للشيء نفسه. يسميها فرويد «الأشكال الخادعة». قد تكون الأفكار والأفعال المتكرِّرة للرَّهبة من المرض رغبةً بِه. تماماً كما إبقاء «المخيمات الإنسانيّة» للاجئين وغير الموثّقين دون البشر وحفظ السّلام كمراقبة بوليسيّة هو في جوهره عمل وحشيّ، فإن رغبتي المُراقية في الحصول على صِحَّة أبديَّة دقيقة ومؤكدة، من أجل الخلود، هي «حافز الموت». هي رحلةُ العودةِ إلى ما قبلِ تشكُّلِ الفرد. هل أريد أن أَبيدَ نفسي لكي أعودَ إلى حياةِ ما قبلَ الإنسانيَّة؟ إلى الرَّحِم؟ إليها، الحُبُّ الأوَّل، الحبل السريُّ طريقُ العودَةِ الضَّائِع؟
«حتَّى بين ذِراعَي والدتها، كانت لا تزال وحيدةً مع مرضها السريّ، ومع قلقها بشأن فِقدانها البراءة والأمن الذي صاحب اعترافها المرتعد بالموت».[24]
أوالدَّافِعُ المَكبوتُ إلى الحريَّة الأكثرِ راديكاليَّة، التي حذَّرت منها مؤسَّسة (الأُبوَّة والأمُومَة)، والمُنقلّبة على نفسها. عندما يكون التلفّظ: أنا لا أُهزم، أنا الحرَّة أبداً. أنا، بالفِعل، خَالدة.[25]
المُراق في مظهره الاجتماعيّ هو شكلٌ خادعٌ – قَيْدٌ مُكتسب خارجيّاً- يقيد نزعة كانت لتكون راديكاليّة وإيروتيكيّة. يقرأه الواحد ربما في الشّعراء والكُتّاب الُمذهلين، وفي السوداويَّة التي أدَّت إلى انتحارِ آخرين. إذا كان «حافِزُ المَوتِ» لهُ نَزَعَاتٌ انحرفَت عن مّسارِها، فإنَّ الكتابّة والموت، والكتابة والمُراق، تُصبِح مُتشابكة تاريخيّاً.
ترجمة: صفا حمزة
* يتألف هذا النص من أجزاء مختصرة من مخطوطة يجري العمل عليها
[1] Mark Fisher, The Weird and the Eerie (London: Repeater Books, 2016)
[2] انظر سلسة منشورات فيروس كورونا من منشورات فيرسو
the Coronavirus Pamphlet Series, accessed November 1 2020, https://www.versobooks.com/lists/4893-coronavirus-pamphlet-series. The Politics of Covid-19, last accessed August 2020, https://covid19syllabus.substack.com/archive?sort=new
[3] “Yanis Varoufakis on the Economic Situation,” The Dig Radio, https://www.thedigradio.com/podcast/yanis-varoufakis-on-the-economic-situation/ accessed October 15, 2020
[4] على سبيل الإيضاح، انظر الخبر: “Covid job losses lead MPs to call for trials of universal basic income,” accessed October 31, 2020, https://www.theguardian.com/society/2020/oct/31/covid-job-losses-lead-mps-to-call-for-trials-of-universal-basic-income?CMP=Share_iOSApp_Other
[5] Fisher, نفس المصدر
[6] Brian Dillon, Tormented Hope: Nine Hypochondriac Lives (London: Faber and Faber 2009)
[7] Martial. Epigrams vii. 39, book 8, quoted in Michel de Montaigne, “Not to counterfeit being sick,” accessed October 8, 2020, http://essays.quotidiana.org/montaigne/not_to_counterfeit_being_sick/
[8] G.W.F Hegel. “Who Thinks Abstractly.” Accessed October 12, 2020, https://www.marxists.org/reference/archive/hegel/works/se/abstract.htm
[9] Octavia E. Butler, Parable of the Sower (London: Headline Publishing, 1993)
[10] George S. Rousseau, Nervous Acts: Essays on Literature, Culture and Sensibility (Hampshire: Palgrave Macmillan, 2004)
[11] American Psychiatric Association. Diagnostic and Statistical Manual of Mental Disorders 5th ed. (DSM-5), (American Psychiatric Association: Arlington, 2013). انظر George S. Rousseau, ed., The Languages of the Psyche: Mind and Body in Enlightenment Thought, Clark Library Lectures; 1985-1986 (Berkeley and LA: University of California Press, 1998)
[12] Butler, نفس المصدر
[13] Rebecca Comay, “Hypochondria and Its Discontents, or the Geriatric Sublime,” Crisis and Critique: Politics and Melancholia 3 no. 2 (2016): 41-58, 45
[14] Anne Boyer, The Undying: A Meditation on Modern Illness (London: Penguin, 2020)
[15] المراقي هو مركب من العديد من الصور والعلامات والأشكال المكثفة كما في الحلم. أو أن المراقي نفسه يكثف القلق الحقيقي البنيوي إلى أشياء مستدبلة: أعراضها الجسدية.
[16] Dillon, نفس المصدر
[17] Lucius Anneaus Seneca. “On the Healing Power of the Mind,” accessed September 7, 2020, http://essays.quotidiana.org/seneca/healing_power_of_the_mind/
[18] انظر: Gilles Deleuze, “The Exhausted,” in Essays Critical and Clinical. Translated by Michael A. Greco and Daniel W. Smith (Minneapolis: University of Minnesota Press, 1997), 152-174
[19] Nadia Bou Ali and Ray Brassier. “Hegel’s 250th Anniversary: After too late,” September 9, 2020, Beirut, https://www.youtube.com/watch?v=dISWecCpAS0
[20] Comay, نفس المصدر
[21] Natrum Muriaticum, https://www.vithoulkas.com/learning-tools/materia-medica-kent/natrum-muriaticum
[22] Cecilia Tasca, Mariangela Rapetti, Mauro Giovanni Carta and Bianca Fadda. “Women and Hysteria In The History Of Mental Health.” Clinical Practice & Epidemiology in Mental Health 8 (2012): 110-119
[23] الإسقاط، التسامي، الإزاحة، تشكّل ردة الفعل، إلخ
[24] Susan Baur, Hypochondria: Woeful Imaginings (Berkeley and LA: University of California Press, 1988)
[25] «من المستحيل بالفعل تخيّل موتنا؛ وكلما حاولنا القيام بذلك، ادركنا أننا في الواقع ما زلنا حاضرين كمتفرجين. في العمق، لا يؤمن أحد في موته، أو بعبارة أخرى، أن كل واحد منا في اللاوعي مقتنع بخلوده.». Sigmund Freud, “Thoughts for the Times on Death and War,” in The Standard Edition of the Complete Psychological Works of Sigmund Freud Vol XIV, trans. by James Trachey (London: Hogarth press and the Institute of Psycho-Analysis, 1957), 275-300