مصادفة “علوشي”

صفا حمزة

الصورة لـ طارق قبلاوي، ١٨ تشرين الأول، ٢٠١٩، ساحة رياض الصلح، بيروت، لبنان

في كتابه «في ظلال الطائفية: القانون والشيعية وصناعة لبنان الحديث»، وهو بحث أكاديمي في مأسسة الاختلاف الشيعي في لبنان، يقتبس ماكس فايس مقطع من مقابلة الناقد السينمائي اللبناني محمد سويد للمخرج السوري الراحل عمر أميرالاي حيث يستذكر أميرالاي صورة من طفولته لمدرب دببة يجول في جونية، وهي المدينة الساحلية شمال بيروت:

وحين أصر سويد على محادثه الإسهاب، قال أميرالاي: «أعتقد أنه كان متوالياً، أو ربما كان غجرياً». وعندما سأله كيف وصل إلى هذه الخلاصة، أجاب: «قيل لنا أن المتاولة يعرضون الحيوانات ويربطون ماعزهم بالأجراس». ثم سأل الناقد: «هل كان هنالك من إصرار على تسمية الشيعة بالمتاولة؟» «كانت عادة شائعة في ذلك الوقت» أجاب أميرالاي. «لم يكن للمتاولي أي دلالة دينية في خلفية طائفية. في اللغة الشعبية كان المتوالي يدل على الناس الذي يعيشون في البؤس. لم أكن أعلم أن في لبنان شيعة قبل بروز موسى الصدر. في الحقيقة، لوقت طويل، لم أكن حتى أعرف أن هنالك سنّة وشيعة في الإسلام»[1]

محفورة في ذاكرة أميرالاي تباين صورة المتوالي الذي يقوم بجولة مع دبٍ وحضرية جونية الزاهية، وتجاورٌ الحضارة والجلافة.[2] قد يحمل التركيب الدلالي لـتسمية «المتوالي» في قصة المخرج تفسيرات مختلفة، وهو يُلمح إلى أسى وبؤس وظلمة الجماعات الشيعية اللبنانية قبل تعبئتهم السياسية والأيديولوجية تحت راية موسى الصدر وحركة أمل. تعبّر قصة «المتوالي» التي يفتتح فايس دراسته بها بوضوح عن المكانة التي وجد الشيعة أنفسهم فيها بعد قيام دولة لبنان الكبير عام ١٩٢٠. بالتالي، إذا ما وضعنا «المتوالي» في سياقه التاريخي، وجدنا الدّال خير تعبير عن الحرمان السياسي والاقتصادي للجماعات الشيعية في لبنان الجنوبيّ وبقاعه.

فقدت الصورة النمطية القاتمة لـ«المتوالي» منذ ذلك الحين قوّتها الدلالية، واستُبدلت بتصورات ترشح فائض قوّة. نصادف أحداها خلال انتفاضة تشرين: شخصية «علوشي». وهي شخصية مفعمة بتهكّم ذات طابع طبقي، يستثقل المرء إعادة كتابتها لسماجتها. مثل «المتوالي»، سيدلّ التركيب الدلالي لـ«علوشي» على أنه أحد أعراض استمرارية ورسوخ هيمنة الخطاب الطائفي في لبنان، رغم كونه منبثقاً من واقع مادي مختلف إلى حد كبير. كما وسيكشف عن متخيَّل صنعه المتظاهرون غير القادرين على الإفلات من العلاقات الطائفية التي خرجوا سعياً إلى تدميرها.

دشّن انتخاب ميشال عون رئيسا للجمهورية عام ٢٠١٦ «العهد»، منهياً احدى عشرة سنة من سياسة المحاور الدائرة بين تيّاريَن متنافسَين، أي تحالفا الـ٨ والـ١٤ من آذار. أمسك خلاله حزب الله وحليفه العوني بالسلطة، وهما مهندسي وعرابَي العهد، وكلاهما كانا لسخرية القدر خارج اتفاق الطائف، وكُرِّست تالياً ثلاثية «الجيش والشعب والمقاومة». يمثّل «العهد» عارضاً لأزمة الجمهورية الثانية، أجاد المشاركة في انتاج الأزمات المتكررة والمتعددة، منها البيئي والاقتصادي والسياسي. تكثّفت هذه الأزمات في أول أسبوعين من شهر تشرين الأول ٢٠١٩ فخرجت مظاهرات على امتداد البلد لم يشهدها لبنان من قبل.

عقب سوء الإدارة الباهر للحد من انتشار الحرائق في غابات الشوف، قام رئيس الوزراء حينها سعد الحريري وحكومته بنكز الجراح بإعلانه عن «ورقة اصلاحية» هي في حقيقتها خطّة إجراءات تقشفية، أقلها خزيا فرض ضريبة على تطبيقات المكالمات الهاتفية عبر «الواتساب». عشية السابع عشر من تشرين الأول الماضي، تدفق الآلاف إلى الشارع للاحتجاج على ما عُرف بالضريبة على «الواتساب». تزايدت الاحتجاجات العفوية وانتشرت من رياض الصلح وسط بيروت إلى مختلف المناطق اللبنانية. وسرعان ما خفتت مركزية العاصمة اللبنانية فيما أضحت مدن أخرى منها طرابلس مراكز للانتفاضة. بدت بيروت واحدة من بين عدة مدن غاضبة، وربما لم تكن أهمها. وشاركت مدن منها صور والنبطية اللتين طالما اعتُبرتا معاقل حزبية طائفية.  في خضم ذلك، بدأت سيرورة ثورية بالظهور واضعةً نصب عينيها تجريد السياسة اللبنانية من طائفيتها. فضحت انتفاضة تشرين المنطلقة من تقاطع الأزمة الاقتصادية والكارثة البيئية اضمحلال العلاقة بين الأحزاب السياسية الحاكمة ومناصريها. والجدير بالذكر أنها المرة الأولى في تاريخ الجمهورية الثانية التي تنطلق فيها مظاهرات ضخمة لامركزية عابرة للطوائف والمناطق. بدت المظاهرات وكأنها على وشك تفكيك ماكينات الأحزاب الطائفية الاستقطابية التي بُنيت في مرحلة ما بعد تحالفي ٨ و١٤ آذار.

هكذا بدى المشهد، أقله، إلى أن أطل الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في خطاب متلفز ليتطرق فيه الى الأحداث المستجدة، وهي إطلالة ضمن إطلالات عديدة سيقوم بها الأمين العام فيما بعد. وقد أتت الإطلالة في اليوم الثاني بُعيد كلمة الرئيس العون التي خاطب فيها الأمة. بدأ نصر الله خطابه بوعظ المتظاهرين المنتفضين ضمن ما أسماه «الحراك الشعبي» وختم خطابه بالتوجّه إلى «جمهور المقاومة» وحلفائه. بدأ نصر الله خطابه بالثناء على «العفويين الطيبين» من المتظاهرين، إلا أنه سرعان ما اتهم آخرين بأنهم ممولون ومنظمون من الخارج. وصف الانتفاضة بأنها تظاهرة الفقراء ليعود ويتّهم المتظاهرين بالتظاهر بتكليف من المتربصين السياسيين والأثرياء والسفارات الأجنبيّة المُمَوّلة. قال إن من حق الناس الاستمرار بالتظاهر، ولكن بأدب، ومن ثم منع السباب والشتيمة وتدمير الممتلكات والتصادم مع الجيش. سمح نصر الله للمهرجان بالقيام في عطلة نهاية الأسبوع فقط، وتعاطف مع قطع الطرقات إلا أنه في النهاية حرّمه أيضاً. أخيرا، توجّه الى «جمهور المقاومة» وطلب منهم الخروج من الشارع.

في ذاك النهار الواقع في ٢٥ تشرين الأول أخلى مناصرو «أمل» و«حزب الله» الساحات بالفعل. إلى ذلك، بعد ساعات من إطلالته المتلفزة الثانية والتي تطرق فيها للانتفاضة، وبصدفة سعيدة لنصر الله، هاجمت مجموعة من مناصري «الثنائي» المتظاهرين ودمّرت وأحرقت خيمهم. في بحر الدلائل الطائفية التي تنتظم بها بيروت، رسي المتظاهرون على جزيرة من ساحات وسط المدينة الخالية. في تلك اللحظة، وجد المتظاهرون أنفسهم محاطين بعنف المتظاهرين المضادين وشرطة مكافحة الشغب، بين شبّيحة معادية للثورة وجيش يقف حارساً لجثة «عهدٍ» مٌتحَلحِل. وهكذا، أصبح من الممكن لشعار الانتفاضة الرئيس «كلن يعني كلن» أن يتّسع ليشمل مناصري الثلاثية، وترسّخ تالياً الخطّ الفاصل الذي رسمه نصر الله بين المتظاهرين ومناصري حزب الله.

يشير التوظيف المُستَحدث من قبل انتفاضة تشرين لشعار «كلن يعني كلن» إلى ارتسام معالم جماعة سياسيّة لطالما نُظِّر لتشكُّلها. سارع المنظّرون الإشارة إلى ملامح تشكّل عقد اجتماعي جديد رافضٍ لإرث الحرب الأهلية السياسي ولمنطق الطائفية. فيه تنطلق العدالة والحياة الكريمة من حقوق الفرد بدل مرورها بوساطة الطائفة. على مستوى الفرد، يستتبع شعار «كلن يعني كلن» نقيضه وهو: «أنا لست واحدا منهم». عبر التبرؤ من الأوليغارشية الحاكمة من جهة والابتعاد عن الأحزاب السياسية الحاكمة وبالتالي عن مناصريها من جهة ثانية، يقوم المتظاهر بفعل «طرد كنسي» ذاتي. هذا الطرد الذاتي يتبعه بناء جماعة من المتظاهرين.

يقول الفيلسوف الإيطالي منظّراً في علم المناعة السياسية وفي علاقتها بتشكّل الجماعة، ما يلي:

لا تظهر المناعة بما هي مقولة مانعة إلا كنمط سلبي للجماعة. وعلى نحو مماثل، عندما يُنظر إليها في صورة انعكاسها في المرآة، تبدو الجماعة محصنة تماماً، منجذبة ومغمورة على شكل نقيضتها. باختصار، المناعة هي الحد الداخلي المتجاوز للجماعة والتي تطويها على نفسها في شكل تأسيسي ومانع في آن. تؤسس المناعة، أو تعيد تأسيس الجماعة، تحديداً من خلال نقضها.[3]

إذاً، ما يتم بناءه من خلال فعل اخراج الذات وطردها عن الأحزاب السياسية ومناصريها هو محاولة تشكيل جماعة من المتظاهرين مختلفة عن المناصرين والمندسين والشبّيحة الذين يهددون وحدة الجسم الثوري. إن الطرد الذاتي الذي هو نتيجة فعل تخيُّل جماعة جديدة من المتظاهرين يصوّر الآخر بصورة «علوشي» نقيض تصورها لذاتها. «علوشي»، وهو تصغير اسم علي امام الاثني عشرية الأول وصاحب الرسول، استخدمه المتظاهرون على نطاق واسع في خطابهم عبر وسائط الاعلام الاجتماعية، وتبنّاه حتى المتظاهرين المضادين. ومع أن «علوشي» لا يختزل كل أشكال التمثيل والتمثيل المعاكس، إلا أن المقصود منه الدلالة على المتظاهرين الشيعة الذين خرجوا من الشارع تلبية لدعوة نصر الله عقب خطابه الثاني. بعبارة أخرى، يشير «علوشي» إلى الشيعة الذكور المنتمين إلى طبقة معيّنة والمعادين لمشروع عاميّة تشرين الثوري.

كتصغير لـ«علي»، «علوشي» هو في المقام الأول صبياني مقارنة بنظيره المتظاهر، الذي «بلغ سن الرشد» السياسي إذا جاز التعبير. لمجرد انتماءه إلى الطائفة الشيعية يحظى «علوشي» بتغطية سياسية، ويمكنه بالتالي القيام بأعمال غير قانونية والاستمرار بالخروج عن القانون. هو عاطل عن العمل، ويقود موتسيكل، وبالتالي هو غارق في الجهل. يرميه خصمه بالجهل والخنوع، ولكن لا يعني ذلك أنه ليس لديه نزعة عنف ما يكشف عن تعصبه. إن عاد إلى الشارع، عاد بصفته مندسّاً ولذا وجب التعامل معه على أنه ذي وجهين. بطبيعة الحال هو أيضاً طائفي.

في مقال نشر على منصّة «درج»، يقوم كتّابه بتحويل «علوشي» إلى نموذج يُستخدم لتفسير الواقع الاجتماعي.[4] وهكذا تصبح سمات وأيدولوجيات الشيعة مجسدةً في «علوشي». يقوم المقال تالياً بجوهرة الجماعات الشيعية في محاولة لأرخنة انتماءاتهم السياسية ومن ثم يؤطّر الهيمنة (السياسية) الشيعية المعاصرة باعتبارها سمة أصيلة وداخلية للمجموعة. في نهاية المطاف يعيد هذا النمط من التفكير ترداد سردية أيديولوجيا البرجوازية اللبنانية كما تكلّم عنها مهدي عامل. على أن المقال يقع في الارتباك حين لا يجد سنداً لمزاعمه غير مهدي عامل:[5]

صاغ علوشي خطاباً مستمدّاً من إرث المجتمع القبائلي، «لولا تدخّل الحزب في سوريا لاغتصب داعش نساءنا». في هذه البيئة، حيث الحقيقة دينية فقط يذكرنا علوشي بأفضاله علينا وعلى أحوالنا الممتازة في بلاد تغرق بالديون والنفايات لكنها تتنفس كرامة وعنفواناً.[6]

من الناحية الخلقية، «علوشي» أدنى من نظرائه المتظاهرين الذين سمَت بهم الانتفاضة فوق العلاقات الطائفية، وهو غير قادر على الفرار من استنطاقه الأيديولوجي. مجسِّداً رعاع «مجتمع المقاومة»، تدلّ القوة المعطاة لهذه الشخصية على قوة «حزب الله»، الحزب الشيعي السياسي والميليشيا الأقوى في لبنان. في الوقت نفسه، هو شخصية أحاديّة تعبر عن وحدة مفترضة لـ«الثنائي الشيعي»، أي «أمل» و«حزب الله»، والذين يمسكان حالياً بالتمثيل الحصري للطائفة الشيعية في لبنان. يعبّر «علوشي» إذاً عن نزعة العنف للشيعية السياسية في لبنان، وعن رجعية سياسات «حزب الله»، وعن «اندماجهم غير المكتمل بالأمّة» للشيعة المكوّنين لدولة داخل الدولة، وعن نزعة الشيعة للعنف الموكّل دوما شفاء جرح كربلاء الأصيل.

بناء شخصية «علوشي» يدلّ على فعل تمايز مُبتَكَر وغير منفصل عن سيرورة فعل الطرد الذاتي بل وضروريٌّ له. يصبح هنا التصور الذاتي للمتظاهر دالة لصورة الآخر. في سعيه لرؤية نفسه نقيض للآخر، يرى النقيض فاسداً طائفياً متحزباً مأدلجاً وساقطاً أخلاقياً، فيما يرى نفسه صافياً وطنياً غير متحزب وخارج الأيديولوجيا وفاضل. فـ «علوشي» الذي «كان عصبها في أيامها الثلاثة الأولى» ان بتواجده الحاشد أو قطعه للطرقات وقيادته للمسيرات الدرّاجة هجر الانتفاضة بعد إشارة نصر الله له بذلك فبانت مناعته للثورة. هدد انسحاب المتظاهرين الشيعة في اليوم الثالث للانتفاضة بكسر المدّ الثوري، كما أعاق المتخيّل الثوري قيد الإنشاء، أي متخيّل جماعة الثوار في سيرورة تحررهم من الطائفية.

ولعل من المناسب القول انه من المحتّم أن يأخذ نقد الثوار لـ «حزب الله» المتعاظم القوة ولسياسته الرجعية شكل فعل «الأخرنة» – (othering). هذا الفعل مُحَياّ خطابي واضح لتشكّل المناعة السياسية. فقد كان فادحٌ حجم الذعر الذي سببه «المندسون» بين المتظاهرين في ساحة رياض الصلح بعدما انهمرت عليهم الحجارة من داخلها. أصبح الدال «شباب الخندق»، وهم شبان من أحد أحياء الطبقة العاملة التي تحايد وسط المدينة، كناية عن كل الرجال الشيعة الذين هاجموا المتظاهرين واستهدفوا الانتفاضة بملء إرادتهم أو حسب توجيهات الأوامر. هذا النقد للشيعة المعاكسين للثورة يأخذ منحاً جديداً: ذاك الذي لا يتبع طائفة لكن يشارك في عملية انتاج السردية الطائفية أي تلك التصورات المرتبطة بشخصية «علوشي» ضمن بنية النظام الطائفي اللبناني. يقوم المتظاهرون المطالبون بالعلمانية عبر هذه المصادفة بإعادة انتاج العلاقات الطائفية، فيما بينهم ومع خارجهم.

يواجه المتظاهرون إذاً اشكالية: هم مدفوعين لاختزال النظام بطائفة طالما هيمن «حزب الله» على البنية السياسية. ما هي إذاً إمكانيات انتاج جماعة سياسية غير طائفية تسمح للمتظاهرين بالإفلات من العلاقات الاجتماعية التي يوجدون ضمنها؟ كيف يمكن تفكيك الطائفية ضمن هذه العلاقات الاجتماعية في حين أن بعض المصادفات تدفع تلقائياً إلى إعادة انتاج منطق الطائفية؟ للإجابة على هذه الأسئلة، ربما على الذات الثورية أن تفكر وتنتج أنماطاً جديدة من التنظيم والاستقطاب. من أجل ذلك، عليها النظر إلى القادم بعين ثورية، وتحديد ما يستوجب هدمه وما يستوجب بنائه. في الجمهورية الثانية وركيزتيها الطوائفية والحريرية نجحت الانتفاضة بتحديد ما يجب ردمه، ولكن لا يمكن غض النظر عن كون «حزب الله» يشكّل خصماً مستعصياً للثورة وعقبة أمام أهدافها. يمكن تفسير شعار «كلن يعني كلن» على أنه رفضٌ لقبضة حزب الله على البرلمان اللبناني والحكومة واستثارةً لمسألة سلاحه، فديمومة النظام، أو بالأحرى إعادة انتاجه، مشروطة بالسلاح. وعندما يتجرّؤون بالقول «نصر الله واحد منن»، فإن صوت أزيز رصاص «أحداث» السابع من أيار من عام ٢٠٠٨ لا يفارق أذهان المتظاهرين ويدبّ الرعب فيهم. رغم ذلك، فـلا يمكن اختزال النظام بأكمله بـ«العهد»، فهو مجرد تجسّد له؛ تحديد النظام مضلل أكثر مما تخيّلنا. أما الدفاع عن الذات فهو طبيعي ومفهوم، إلا أن بإمكانه أن يشكّل عائقاً أمام عمليّة تشكُّل جماعةٍ ما بعد طائفية. علينا استبانة الانماط في النظام التي قد تساعدنا على مفاوضة هيمنة «حزب الله» من دون تغذية خطاب «حزب الله» عن دون قصد، هذا الخطاب الذي يتنامى الآن مع «الحصار» شبه المفروض ذاتياً. فلنُسقِط «علوشي».[7]

صفا حمزه حاصلة على درجة الماجستير في دراسات الشرق الأوسط من جامعة أريزونا. تهتم في كتاباتها وأبحاثها الحاليّة بأعمال الحداد ومراسم عاشوراء عند الطائفة الشيعية. صفا عضوة في فريق كُحْل: مجلّة لأبحاث الجسد والجندر.

ترجمة: اياد ريا


[1] يستكشف الكتاب السيرورة التي أدت إلى تجذّر الطائفية لدى الشيعة وتبنّيهم لهوية طائفية ما دون وطنية من خلال مطالبهم المؤسساتية وسعيهم لاستحصال الاعتراف بهم، إضافةً إلى دخولهم في فلك الدولة اللبنانية الطائفية. انظر:
Max Weiss, In The Shadow Of Sectarianism (Cambridge, Mass.: Harvard University Press, 2010), 38-60.

[2] ليست صورة «المتوالي» المسيئة والتي يقال على أنها منحدرة من «متوالياً لعلي» من صنع الجمهورية، فقد استخدمها الرحالة الأوروبيون والبيروقراطيون العثمانيون والمثقفون اللبنانيون في القرن الثامن عشر للإشارة إلى عزلة الجماعات الشيعية في جبل عامل وفي البقاع.
Weiss, In The Shadow Of Sectarianism, 40-54.

[3] Roberto Esposito, Immunitas: The protection and negation of life (Polity, 2011), 9.

[4] Daraj.com. 2020. عن فائض القوة : “علوشي” الذي لا يهزم | Daraj. [online] Available at: https://daraj.com/46017/ [Accessed 10 July 2020].

[5] باقتضاب، ترى هذه الأيديولوجيا الطوائف والطائفية في لبنان على أنها أصيلة في الجماعات وليس كعلاقات اجتماعية تتحقق وتتمأسس بواسطة الدولة، كما يحاجج مهدي عامل. انظر مهدي عامل، في الدولة الطائفية (بيروت: دار الفرابي، ١٩٨٩)

[6] Daraj.com. 2020. عن فائض القوة : “علوشي” الذي لا يهزم | Daraj. [online] Available at: https://daraj.com/46017/ [Accessed 10 July 2020].

[7] تشير «أحداث ٧ أيار» إلى الأزمة السياسية المتعلقة بسلاح «حزب الله» والتي دفعت الحزب إلى نشر عناصره ومحاصرة بيروت الغربية خلال أيام قليلة. شهدت الأزمة صدامات مسلّحة في أحياء العاصمة وامتدت لاحقاً إلى مدن أخرى في لبنان. حلّت الأزمة بعد تدخل الجامعة العربية والوصول إلى «اتفاق الدوحة»، الأمر الذي أدى إلى تراجع حكومة ١٤ آذار عن قرارها بالتدخّل بشبكة الاتصالات التابعة لـ«حزب الله وإلى إنهاء المأزق سياسي في البلاد الذي استمر ١٨ شهراً.