قال\ت

جنان العاني

ترجمة: حسين ناصر الدين

انقر هنا (PDF) لمطالعة أمثل.

قالت

ان ثمة ذاك النهر الجميل الجميل
النهر الخطير
تيارات سريعة
مكان خطر
ماؤه عميق عميق

كانوا واعيين سياسيًا
شعروا أنهم يرزحون تحت نظام قمعي
كانوا جزءًا من الحركات السرّية
وكانوا متفائلين جدًا 
وكان رائعًا
ذاك الأمل والوعد
لكن الذي صار فيما بعد كان رهيبًا

الحرس في كلّ مكان
والبوليس السري يراقب في الشارع
ما كانوا يريدون أن يراهم أحد
بعض أقاربه أرداهم البريطانيون بالرصاص
هو والثوار الآخرين كانوا مسلحين
طاردوا الشرطي
ثم وقع بين الثوار وأصيب برصاصة
عُلّقوا
كما عُلّق رجال قبلهم
كلّهم علّقوا تحت هذا الجسر

عندما جاءت الطائرات
أدركتُ أن الحال في تقلّب شديد
وتوتر يتكاثر في كلّ مكان
الناس قلقوا
وكل هاتيك الأماكن دُمّرت
وكان حزنًا
روّع الجميع بشدة
فقد رأوا كل تلك الفظائع
ومرّوا بأشياء لم نمر بها نحن
كلّ ذلك الحزن

مقتطفات من سلسلة مقابلات أجريت عام 2021 مع والدتي التي عاشت في العراق من عام 1964 إلى عام 1980

قال

نحن على دجلة
وقد بلغنا ضفة النهر
ورأينا الجسر يحترق
ثم ظهرت كتيبة من الرشاشات وخبراء المتفجرات
قتلنا ما لا يقل عن ٢٠٠

ليست لدي المؤهلات على الإطلاق للعمل السياسي
أنا غريب في أرض غريبة
الناس يكرهوننا، يأملون أن تقتلنا القبائل
تسقط البلاد كلّها في أيام الشر
رأيت رجال القبائل وأفرغت مسدسي في جماجمهم
فنزعُ عيونهم
أهون عليهم من نزعِ بنادقهم

المعارك في كل مكان
جعلتُ من شخصين عبرة لمن اعتبر
إذ أمرت بجلد واحد منهما في السوق
وحكمت على الآخر بالسجن لمدة سنة
أمرت بربطه وضربه
وإرساله إلى بغداد مقيّدًا بالسلاسل
أطلقوا النار علينا
وقُتل شرطي آخر
بالشرع كان يجب أن يشنق
يستحق ما نابه من العقاب

رأيت طيّارَين، كانا رائعين!
وقدّ سلّمَت المدينة المطاليب الذين أردناهم
مرّت الطائرات لتُغير على المدينة في الصباح
نجحنا بإيقاف أربعة منها
لكنّني أخشى أن الخامسة أفلتت منّا
عم الرعب في نفوس الناس، أشفِقُ عليهم
هم يعرفوني، وأنا أعرفهم ولا بدّ لي أن آنس في المكان
الإعتماد على النوايا الحسنة للناس سياسة خطيرة جدًا في الشرق
أضحيت متشائمًا حيال مستقبل بلاد ما بين النهرين
أرجوا ان يظل كلّ ما قلت بيننا

مقتطفات من رسائل كتبها مسؤول سياسي بريطاني إلى زوجته. تمركز في العراق من عام 1917 إلى عام 1925

العمل الفني: جنان العاني، لقطات من “المخططات الزمنية”، فيلم، ٢٠٢٢.

يركّز الفيلم على صينية نحاسية مزخرفة صُنعت في العراق، و أضحت الآن في مجموعات متحف فيكتوريا وألبرت في لندن.  يُقال أنّ الصينية تعود إلى فترة يوم الهدنة، في العام ١٩١٨، لكنّ الطائرات المنقوشة عليها، ورسم إعدام رجلٍ عربيٍ على يدّ القوات البريطانية، تشير  إلى أنّ ما نُقش عليها هو  أحداث الثورة العربية في العام  ١٩٢٠، وهي صفحة مهملة، قلّ العارفون بها، من كتاب التدخلات البريطانية في العراق. شكّلت هذه الثورة تهديداً حقيقيّاً لمخطّطات إقامة الدولة العراقية الحديثة تحت الإنتداب البريطاني، بُعيد انهيار السلطنة العثمانية. ولولا تدخل سلاح الطيران لطمس الثورة والإغارة على المدنيين – وهي شكلٌ من أشكال الحروب الحديثة التي كان البريطانيون من “روّادها” في العشرينيات- لكانت الثورة قد نجحت، وكان لتاريخ الشرق الأوسط الحديث أن يكتب بطريقةٍ مغايرةٍ اليوم.